الخميس، 29 سبتمبر 2011

الوصايا العشر ضد التعصب الليبرالي

تقديم الباحث (بهاء ابوزيد)

ظهرت هذه الوصايا الليبرالية العشر أول مرة فى نهاية مقال برتراند راسل “أفضل إجابة للتعصب: الليبرالية” فى مجلة نيويورك تايمز (16 ديسمبر 1952). ثم ظهرت بعد ذلك فى سيرة برتراند راسل الذاتية فى الجزء الثالث 1944-1967.

وتظهر هذه الوصايا العقلية الثاقبة المعتادة واللسان البليغ لدى برتراند راسل والذين يظهران بوضوح عندما يقدم أفكاره الغير تقليدية.


نظرًا لإعجابي البالغ ببرتراند راسل وكتاباته المركزة والعميقة، وإعجابي الشديد بهذه الوصايا، وبإيجازها، وإيماني بحاجة العقل العربي لمراعاتها فى حياته الفكرية على الأقل، قمت بترجمة هذه الوصايا من هذا الرابط
http://www.panarchy.org/russell/decalogue.1951.html
ولعل المقصود من الليبرالية فى عنوان هذه الوصايا ليس الليبرالية السياسية ولكن التحرر العقلي.
الوصايا الليبرالية العشر

ربما يمكن تلخيص جوهر وجهة النظر الليبرالية فى عشر وصايا جدد، ليس بغرض استبدال الوصايا القديمة ولكن لاستكمالها.

الوصايا العشر التي أتمنى، كمدرس، أن يتم نشرها، يمكن أن توضع كالآتي:

1- لا تشعر أبدًا باليقين المطلق حول أي شيء.
2- لا تفكر أبدًا فى المضي قدمًا بإخفاء دليل، حيث أن أي دليل بالتأكيد سوف يرى النور.
3- لا تحاول أبدًا الحد من التفكير لأنك واثق من النجاح.
4- عندما تُقابَل بالمعارضة، حتى لو كانت من زوجتك(1) أو أبنائك، حاول أن تتغلب عليها بالحجة والنقاش وليس بالسلطة، فأي نصر معتمد على السلطة فهو غير حقيقي ووهمي.
5- لا تتحلى بأي احترام لسلطة الآخرين، لأنه من الممكن إيجاد سلطات مضادة لها.
6- لا تستخدم القوة لقمع الآراء التي تظن أنها ضارة، لأنك لو فعلت فالآراء سوف تقمعك أنت.
7- لا تخشى أن تبدو سخيفًا فى رأي ما، حيث أن أي رأي مقبولاً الآن كان يومًا ما سخيفًا.
8- اعثر على متعة فى الإعتراض الذكي أكثر من الموافقة السلبية، لأنك لو قدّرت الذكاء كما ينبغي، فستجد الاعتراض الذكي يحتوي على موافقة أعمق من الموافقة السلبية.
9- كن صادقًا وبدقة، حتى لو كانت الحقيقة غير مريحة، لأنك ستجد أنه من غير المريح أكثر محاولة إخفاء الحقيقة.
10- لا تشعر بحسد تجاه سعادة هؤلاء الذين يعيشون فى جنة الأحمق، لأن الأحمق فقط هو من سيظن أنها سعادة.


(1) فى النص الإنجليزي استخدم راسل زوجك وليس زوجتك، وأظنها بغرض الدعابة للدلالة على سلطة الزوجة على زوجها.

الجمعة، 22 يوليو 2011

الشيوعية

الشيوعية هي علم تحرير البروليتاريا طبقا لأنجلز
وتتكون الايدلوجيا الشيوعيه من ثلاث فلسفات كبرى وهى [الاشتراكية كجانب اقتصادي- والفلسفة المادية الوجودية كجانب قيمي - ونظام الحزب الواحد الذي يمثل  البروليتاريا ] وقد تتبنى دولة ما جانب من تلك الفلسفات الثلاث دون الاخرى فالمانيا وفرنسا والسويد هى دول اشتراكية بالاساس مثلاً دون باقى الفلسفات الاخرى
البروليتاريا هي الطبقة العاملة الكادحة التى لا تمتلك غير عمل يديها لتتكسب منه
وتسعي الشيوعية لتنفيذ مجموعة إجراءات لصالح البروليتارية

1 – الحد من الملكية الخاصة بواسطة الضرائب التصاعدية على الدخل والضرائب المرتفعة على الإرث. إلغاء حق الإرث بالنسبة للحواشي (الأخوة وأبناء الخال) الخ...
2 – المصادرة وإعادة توزيع الثروة لصالح الطبقات الفقيرة أو من خلال منافسة القطاع العام للقطاع الخاص المملوك لأفراد
3 – مصادرة أملاك جميع المهاجرين والمتمردين ضد مصلحة غالبية الشعب.
4 – تنظيم العمل ووضع أجور عادلة بقوانين وتحديد عدد ساعات العمل.
5 – أنشاء بنوك وطنية تمنح قروضها الميسرة للشعب كبديل عن استغلال البنوك الخاصة .
6- مضاعفة عدد المصانع في الدولة والطاقة الإنتاجية عموما.
7– تعليم جميع الأطفال في مؤسسات الدولة وعلى نفقتها
9 – بناء مجمعات في الصناعة أو الفلاحة مع الحرص على توفير جميع إيجابيات الحياة في كل من المدينة والريف مع التخلص من سلبياتها.
10 – تهديم جميع المساكن والأحياء غير الصحية والسيئة البناء.
11 – تمتيع الأبناء الشرعيين وغير الشرعيين بنفس حقوق الإرث.
12 – مركزة جميع وسائل النقل في أيدي الدولة.
13 - تؤمن الشيوعية بديكتاتورية البروليتاريا (الطبقة العمالية).
وترى الشيوعية ان نتائج الغاء الملكية الخاصة هي :
تحقيق انتاج واسع وفير يحقق رفاهية ويؤدى الي شيوع الثروة لدى كل المجتمع وتمتع افرادة بحياة سعيدة ومرهفة ، ولكن الشيوعية ايضا تتنأ باضمحلال الاديان بعد ان تشيع الثروة .

الثلاثاء، 28 يونيو 2011

الإسلام والعلمانية.. الاختلاف والائتلاف (١)




الإسلام والعلمانية.. الاختلاف والائتلاف (١)

بقلم د. عمار على حسن ٢١/ ٦/ ٢٠١١
كان يجب ألا نضع دينا عظيما عميقا شاملا راسخا رائقا رائعا مثل «الإسلام» على الإطلاق فى مقارنة مع فلسفة واتجاه إنسانى مثل «العلمانية» أيا كانت حدودها وروافدها، وكان يجب ألا نظهر الأمر وكأنه صراع بين ندين، وما هما كذلك. ولو أن من يزعمون انتصارهم للإسلام يعرفون جيدا قيمة هذا الدين وقامته ما وضعوه أبدا فى مواجهة مع مذهب فكرى، لكن الجهل ساد وعم وطم، لأجد نفسى هنا فى هذا المقام مجبرا ومضطرا أن أعامل هؤلاء على قدر نواياهم، التى لا أشك فى إخلاصها، وإن كنت متيقنا من أن الصواب قد جانبهم فى كثير من الأمر، حتى لو كان لا يعلمون.

فى هذه السلسلة من المقالات سأحاول أن أجلى هذا الالتباس على قدر استطاعتى، وأبين فى نهاية المطاف ما ينطوى عليه برنامج حزب «الحرية والعدالة»، الذى خرج من رحم جماعة الإخوان من توجهات يمكن أن نقول عليها «علمانية» حتى لو كان أصحابها لا يدركون هذا.

لقد رأينا كيف وقع انقسام واستقطاب حاد فور انتهاء الموجة الأولى من ثورة ٢٥ يناير، ليس على أساس تضارب المصالح أو التباين فى وسائل صنع السياسة أو حتى أهدافها فى المرحلة المقبلة، إنما يقام الخلاف على أساس فكرى، بين تيارين «تنويرى» و«تراثى» يطلق الثانى على نفسه «دينى»، ويطلق على الأول «مدنى»، محيلاً تلك المدنية بالضرورة إلى «العلمانية» بمفهومها الغربى، فى محاولة واضحة لبناء جدار من الشك والريبة بين أتباع «التيار المدنى» والمحيط الاجتماعى العريض.

وفى كتاب له صدر مؤخراً تحت عنوان «العلمانيون والإسلاميون: محاولة لفض الاشتباك» عبر ياسر أنور عن هذا الجو المشحون بالتربص قائلا: «الخلاف المحتد الآن بين فريقين، أحدهما يزعم علمانية مصر وهى ليست كذلك، والآخر يجزم بإسلاميتها وهو قول عاطفى، فيه صواب وخطأ. كلا الفريقين يعانى من قراءة وجدانية للواقع، وهذا يطرح علامة استفهام على مخزون الوعى السياسى لدى الفريقين، ومدى قدرتهم على استيعاب ملامح وخصائص اللحظة الراهنة».

ويتصور المتعجلون والمغرضون، على حد سواء، أن الفكر الإسلامى والعلمانية طريقان لا يلتقيان أبدا، لا فى الفكر ولا فى الواقع المعيش، ويروجون لمقولات نمطية جامدة عن تبادل الكراهية بين الاثنين، وعن صراع ظاهر وباطن بينهما، يعرضونه فى صيغة «معادلة صفرية»، فإما هذا أو ذاك، ولا جمع أو تقريب يضيق الهوة فى الفكر والممارسة بين ما هو «إسلامى» وما هو «علمانى».

وقد ساهم الكثيرون من مفكرى حركة «لإحياء الإسلامى» أو «الصحوة الإسلامية» الحديثة فى تغذية هذا التصور، فكتبوا المؤلفات والدراسات والمقالات التى تحمّل «العلمانية» مسؤولية الكثير مما يجرى فى بلاد المسلمين من تخلف عن ركب الحضارة الحديثة، والاستلاب حيال الغرب، والتقليل من شأن العطاء الحضارى للعرب والمسلمين فى زمنهم الزاهر والزاخر، ووصل الأمر إلى حد تصوير العلمانية على أنها مؤامرة على الدين، ونعت كل من ينادى بها أو يعتنقها بأنه إما كافراً أو فاسقاً أو عميلاً لأعداء الأمة. والتقط شباب التنظيمات والجماعات السياسية ذات الإسناد الإسلامى هذه الرؤية، ورفعوا شعار «لا شرقية ولا غربية» فى المظاهرات والاحتجاجات، فى وجه الغرب تارة، وضد الأنظمة الحاكمة طورا، وذلك فى ظل تقدير الإسلاميين لهذه الأنظمة ورجالها بأنهم علمانيون.

ومثل هذه التصورات تنطلق من فهم خاطئ لكثير من القيم العامة العميقة، التى ينطوى عليها الإسلام، بقدر ما تنبنى على إدراك مزيف لمعنى العلمانية، يعطيها وزنا أكبر مما هى عليه، ويخلط جزءها بكلها، ويتوهم أنها نظرية متكاملة الأركان، مكتفية بذاتها، قادرة على الصمود والتحدى فى كل وقت وكل مكان. كما أن هذا التصور يجور على الإسلام نفسه، حين يضع الدين السماوى الخاتم، الصالح لكل زمان ومكان، فى مضاهاة أو مقارنة أو حتى مواجهة مع العلمانية، التى هى فى النهاية منتج فكرى أرضى ووضعى، قابل للمراجعة والدحض، وينصرف فى أغلبه إلى العقل ومقتضياته، دون أن يمس شغاف الروح وأغوار النفس ونبض القلب، كما يفعل الدين، فى تجليه وجلاله.

لكن المضاهاة بين الإسلام والعلمانية يمكن أن تجرى فى ساحة ضيقة أو مساحة محددة تتمثل فى الجانب الذى يتماس فيه الإسلام مع الممارسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. فعند هذا الحد يقدم الدين نفسه للناس بوصفه إطاراً نظرياً لبعض الممارسات الحياتية، بل يمكن أن يتحول الدين إلى إجراءات واقعية للتعامل مع المشكلات الجارية، وهنا يمكن للعلمانية سواء كانت مصروفة إلى الاشتراكية أم الرأسمالية أن تزاحم الأديان أو تساعدها أو تطرح نفسها بديلاً جزئيا لها، لكنها فى كل الأحوال والظروف لا يمكنها أن تزيحها أو تحل محلها، وليس بوسعها أن تؤدى ما تؤديه الأديان فى الجوانب المرتبطة بالامتلاء الروحى والسمو الأخلاقى، وليس بمقدور العلمانية أن تطرح إطاراً أكثر تماسكاً وأعمق مما تطرحه الأديان فى النظرة الشاملة إلى الحياة، بكل مسراتها وأوجاعها. لكن ما حدود الائتلاف بين «الإسلام» و«العلمانية»؟! هذا ما سنجيب عنه فى المقال المقبل بإذن الله تعالى ومشيئته.

الاسلام والعلمانية الاختلاف والائتلاف 2



الإسلام والعلمانية الاختلاف والائتلاف (٢)

بقلم د. عمار على حسن ٢٨/ ٦/ ٢٠١١
لو أمعنا النظر، بروية وتجرد ونزاهة، سنجد أن الأبواب مفتوحة بين «الفكر السياسى الإسلامى» و«العلمانية» فى طورها الجزئى، الذى يقوم على معادلة مفادها أن «فصل الدين عن السلطة ضرورة، لكن فصله عن المجتمع جريمة» وليس فى طورها الكلى الذى يحاول إقصاء الدين عن الحياة تماما. فعند هذا الحد يمكن للطرفين أن يتقابلا، وللطريقين أن يلتقيا، على عدة أسس، لا ينكرها إلا جاهل أو متنطع أو متسرع لا يمعن النظر فى الحقائق، أو متهرب من مواجهة الواقع.

وأول هذه الأسس أن الإسلام ليس دينا روحانيا خالصا، بل يزاوج بين المادة والروح فى توازن وتعادلية جلية، والمادة مناط العلمانية، ومحور وضعيتها المنطقية التى لا تؤمن إلا بما هو محسوس وملموس، حتى لو كانت الأخيرة قاصرة عن تحقيق الامتلاء الروحى والإيمان بالغيب الذى يكمن فى الإسلام والأديان عامة. لكن الفارق أن الإسلام لا يقف عند حد هذه المادية بل يتجاوزها إلى الحدسى والروحى، ويتحدث عن «المعرفة اللدنية» التى لا تأتى من الحواس الخمس بل يلقيها الله سبحانه وتعالى فى قلوب عباده، وهو الذى علم الإنسان ما لم يعلم، ويتحدث الإسلام أيضا عن تزكية زينة الروح إلى جانب حضه على زينة الجسد.

وثانيها أن الإسلام لا يعارض «دنيوية» العلمانية، لأنه لا يلغى الدنيا لحساب الآخرة، إذ يقول القرآن الكريم «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا». ويطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن يجدّوا ويعملوا إلى آخر لحظة فى حياتهم «إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها»، ويقول «فضل العامل على العابد كفضلى على سائر الناس». والدنيا فى الإسلام هى الطريق إلى الآخرة، وبالتالى فإنه يحترمها، ويقدم ما يؤدى إلى العيش فيها بقوة وسلام، يحقق للإنسان إنسانيته التى خلقه الله عليها، بوصفه خليفته فى الأرض، وكونه كائنا مختلفا عن الملائكة والجان والشياطين.

أما الأساس الثالث فهو أن الإسلام لا يعرف «الكهنوت» ولا يضفى أى قداسة على بشر مهما علت مكانتهم، ويجعل العلاقة بين الإنسان وربه مباشرة، لا وسطاء فيها ولا أوصياء عليها. وإذا كانت العلمانية قد قامت على محاربة هذه الوساطة، حين أساء رجال الكنيسة فى أوروبا استخدامها لحساب السلطة الزمنية، فإن الإسلام من قبلها قد حاربها، وانتصر فى «نصه» لهذا، وإن كانت الممارسة قد شابتها نقائص وعيوب من استغلال الإسلام لحساب الحكم، أو تحول بعض الفقهاء إلى سلطة فوق عقول الناس وأحوالهم ومصالحهم، أو ظهور طبقة «رجال دين» تسعى إلى احتكار إنتاج الرأى الدينى.

والأساس الرابع هو أن الإسلام جعل من «التفكير فريضة»، إذ إن أول كلمة فى كتابه المؤسس «القرآن الكريم» هى اقرأ، وهناك عشرات الآيات فى القرآن الكريم التى تدعو إلى التفكر والتدبر فى خلق الله جميعاً ونفس الإنسان وأغوارها خصوصا.

وبالتالى فإن الإسلام فى هذه الناحية لا يتعارض مع مطالبة العلمانية بإعمال العقل، وطلب العلم، لكنه يرفض المغالاة فى الاعتماد عليه بحيث لا يصبح سلطان إلا سلطانه، أو يصير إلها يُعبد من دون الله، أو يتوهم أن بوسعه أن يستغنى عن رسالة السماء، بدعوى أنه قادر وحده أن يميز الحسن من القبيح، والخبيث من الطيب. ففى حقيقة الأمر فإن هذا التمييز يبقى مسألة نسبية، تخضع لاعتبارات معقدة تخص كل فرد على حدة، ومن ثم فإن ما يراه عمرو صوابا قد يراه زيد خطأ. أما رسالة السماء فإنها تضع إطارا جامعا مانعا وقاطعا للحكم على الأشياء والأفعال، وهو حكم يسرى على الجميع، ويقوم على قاعدة أن «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات».

أما الأساس الخامس فهو إقرار الإسلام بأن الحكمة القائمة على العقل والعلم والفهم وإدراك روح الإسلام ومقاصده وقيمه، جزء أصيل من أفكاره وتشريعاته، إذ يقول الرسول «الحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها فهو أولى بها». وبعض ما تطرحه «العلمانية الجزئية» يقع تحت طائلة الحكمة، لأن فيه ما يساعد العقل على التفكير، وما يقى الدين من أن يتحول إلى أيديولوجية سياسية، أو إلى سلطة حاكمة مصابة بكل عيوب وثقوب السلطة فى كل زمان ومكان.

والأساس السادس ينبثق من مقاصد الشريعة ذاتها، والتى تجعل «حفظ النفس» مقدماً على «حفظ الدين» حسبما اتفق الفقهاء، أو هذا الذى ذهب إليه الإمام الطوفى حين قدم «المصلحة» على «النص» فى كثير من الأحيان. وحفظ النفس يعنى ببساطة الانتصار لحياة الإنسان وحرمة واحتياجات جسده. وحفظ النفس فى بلادنا حاليا يتطلب برنامجاً لمكافحة الفقر والمرض والجهل، وهذا هو جوهر الشرع الذى نريده الآن.

وللحديث بقية...

الخميس، 16 يونيو 2011

راس المال والفائدة

رأس المال :
يعرف الاقتصاديون رأس المال بأنه الثروة التي تستخدم لتنتج ثروة أخرى . وتشتمل على أدوات وخامات ومباني و أثاث وملابس وأغذية تستخدم لنتاج سلعة أخرى .
- الفائدة وهى النسبة التي تمنح كمكافأة - لصاحب رأس المال- نظير اشتراك رأس ماله في عملية الإنتاج الإنتاج .
- سعر الفائدة وهو يحدد كنسبة مئوية من رأس المال ويتحدد سعر الفائدة... مثله مثل اى سلعة اخرى بنسبة العرض الي الطلب فتزداد مع زيادة الطلب على الاقتراض مع ثبات العرض أو نقصه والعكس صحيح فتقل سعر الفائدة مع نقصان الطلب على الاقتراض مع زيادة العرض أو ثباته .
- خالف (كنز) تلك المسلمة وأعلن الطلب هنا هو الطلب على النقود للاحتفاظ بها والعرض هو عرض للنقود كما تحددة السلطات النقدية بمعني فلو زادت احتفاظ المواطنين بالنقود لكل يشترو بها[ سلع وخدمات او من قبيل الاحتياط أو للمضاربة] في صور مختلفة فيزداد الطلب على النقود من الأفراد ، إما عرض النقود فهو تحدده السلطات النقدية في الدولة حسب الاحتياطي النقدي من العملات أو حسب الغطاء الذهبي كما كان قديما ً وبالتالي خلص كنز الي أن لو ارتفع سعر الفائدة على القروض سيؤدى هذا حتما الي خفض الطلب على النقود من قبل الإفراد لميلهم لإقراضها لجني فائدة مرتفعه بعد سنة مثلا ، أما لو انخفض سعر الفائدة فقد يزداد الطلب على النقود لأنفاقها في الأوجه السابق ذكرها .
- أخيرا هل حقيقي أن الاقتصاد لدولة ما يكون في أفضل حالاته حينما تصبح معدل الفائدة يساوى صفر ؟ مؤكد كلا وألف كلا لن هذا معناه إن المواطنين لن يقوموا بالادخار و ويحتفظوا بالأموال للمضاربة في عقارات أو أخري أو استهلاكها هذا لو كان رأس المال نقدي ، أما لو كانت رؤوس الأموال عينية مباني أثاث الآلات ... الخ فما الذي يدفع شخص ما لإعطاء مبنى لأخر بدون الحصول على اى عائد على استثماراته حتى لو كان هو صاحب المشروع فما الذي يجهده في عملية أنتاج لن تدر عليه شيء

الجمعة، 10 يونيو 2011

نظرة على افكار سيد قطب

- فكرة مملكة الله وهو المصطلح الذي استخدمه سيد قطب هو الثيوقراط بأم عينه أما اختلاف شكل الثيوقراط في الإسلام عن المسيحية راجع لاختلاف طبيعية الدين الإسلامي عن المسيحي حيث لا توجد مؤسسة دينية كالكنيسة في الإسلام
- فكرة أن المسلمين هم شعب الله المختار لا تحتاج لتعليق فهي فكرة غير إسلامية أصلا (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) .
- رفض سيد قطب لعلم النفس والاجتماع و العلوم السياسية والقانونية غيرها من العلوم الإنسانية و اعتقاده بخطاها أمر غريب فهو لو عاش وشاهد كيف تنبأ الجميع بثورة مصر قبلها بسنوات لقبلها فقط العلوم الإنسانية قد لا يكون حاصل جمع 1+ 1=2 ولكن قد تساوي اثنين في مصر واثنين ونصف في المغرب وهكذا لكنها في النهاية سوف تساوي اثنين وذلك لأن تلك العلوم تتعامل مع بشر تتفاوت ردود أفعالهم واستقبالهم للحدث.
- ينسي في خضم رفضه لكل العلوم الإنسانية أن علم الاجتماع مؤسسة ابن خلدون العربي التونسي
- اعتراف سيد قطب بالعلوم الطبيعية كيمياء فيزياء ....الخ لأن الحقائق بها دامغة فهو لا يجرؤ على تكذيبها كما انه يفتى بأخذها من الغرب رغم رفضه التعامل معهم تماما في مواضع أخرى هو قبول المضطر فكل نظريات ونزق سيد قطب غير قادر على معالجة مريض بدور انفلونزا مثلاً
- اعتقاد سيد قطب أن على المسلم آن يعيش في حالة قتال دائم سواء مع الداخل أو الخارج هو قراءة متعسفة جدا لآيات الذكر الحكيم من سورة التوبة
- (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
والتي يظن معظم المتطرفين أن أحكام القران قد نسخت بتلك السورة وهذا الفهم المتعسف هو ما جلب النحس والكدر على الشيخين سيد قطب في الستينيات وكذلك عمر عبد الرحمن في التسعينيات .
- يرفض سيد قطب فكرة المواطنة وفكرة التعايش السلمي تماما وبل ينسفها من أساسها فهو يرغب في قتال متواصل مع المجتمع الجاهلي بالداخل او الخارج وهو ما يفسر ويجلي الشك والريبة عن سلوكيات التنظيمات الإسلامية التي استخدمت العنف والقتل في مواجهة معارضيها طوال السبعينيات وحتى المراجعات في 1997 بما فيها من سقوط ضحايا أطفال(الطفلة شيماء) ومفكرين وسياح أجانب واقباط لا ناقة لهم وليسوا طرفا في أي صراع سياسي سوى اعتبارهم جزء من المجتمع الجاهلي وبالتالي لا مانع من التخلص منهم .
- فغير المسلم رجل -عند سيد قطب- قد ساقه حظه التعس ليعيش في تلك البلدة يدفع ما عليه من الجزية ويعيش صاغرا ذليلاً غير أن المسلم أحيانا يحيي حياة هانئة في دول أخرى ديموقراطية ليبرالية وبهذا الفهم ينطوي رفض سيد قطب لحقوق الإنسان والحريات العامة ... الخ . والتي منبعها الفكر الإنساني الليبرالي الذي يرفضه كليا .
- أما فكرة أن تأخذ الدولة الإسلامية الجزية من الدول الأخرى كضمان للسماح والدعوى إلي الله في أي وقت فهو موقف يصدر على ما يبدو من عقل غير واعي بمن حوله فمن هي الدولة التي نستطيع أن نجبرها وما هي مصادر الإجبار.
- رفض ربط الإسلام بأي أفكار عن الديمقراطية هو موقف الجميع قد غيره ألان صحيح أن كاتب السطور يظن انه موقف تكتيكي سينقلب الجميع عليه لو تمكنت التيار الديني من السيطرة على الحكم ولكنه على الأقل فلنتعامل مع الظاهر

السبت، 4 يونيو 2011

الحاكمية لله فكرة سيد قطب

الحاكمية لله
واحدة من اهم الأفكار التي شدت العالم الإسلامي في القرن العشرين بدأها ابو الاعلي الموودودى عالم دين باكستاني حضر نشأت دولة باكستان وأكمل الفكرة أو واصل على نفس الإيقاع ذاته سيد قطب وشقيقة محمد قطب من خلال كتابين وهما معالم في الطريق والمجتمع الجاهلي على التوالي للشقيقين .
وترتكز فكرة الحاكميه لله على أن الحكم في هذا الكون كله لله من حيث التشريع القانوني والنظام السياسي وقيم المجتمع وتصوراته للكون وفنونه وآدابه هي كلها لله ومن عند الله .
- ترتكز تلك الفكرة أو الفلسفة عند سيد قطب علي عدة أسس منها
- أن مملكة الله على الأرض ليست تتمثل في حكم رجال الدين ولكن في أن تكون شريعة الله مطبقة على الأرض اى ليس حكم (ثيوقراط) ولكنه بشر تطبق (حكم الله).
- ان أي شيئ غير الحاكمية هي عبادة من البشر للبشر .
- أن المجتمع المسلم هو الذي يطبق شرع الله وليس غيره حني لو كان به مسلمون يصلون ويصومون ...الخ
- يرى سيد قطب أن المسلمين هم شعب الله المختار
- يرفض سيد قطب كل اتجاهات التاريخ وكل علوم الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع وكل العلوم الإنسانية لأن مصدرها غير إسلامي .

- يقبل سيد قطب فقط من الغرب الغير إسلامي علوم الكيمياء والطب ويبيح التعامل والتلقي فيها من غير المسلمين .
- يري سيد قطب أن أوربا الغربية تلقت علومها من الأندلس .
- يري انه ناد دارين هما دار الإسلام ودار الحرب .
- يقف قطب موقف العداء التام من غير المسلمين اليهود والمسيحين سواء كانوا مواطنين في دولة الإسلام أو خارجها ويلزمهم بدفع الجزية عن يد وهم صاغرون .
- يعتقد سيد قطب أن المسلم عليه دوام الجهاد والحركة فهو أما يحارب غيرة او في موقف هدنة استعداداً للحرب
- يجب ان تدفع المجتمعات الأخرى خارج الدولة الإسلامية الجزية للدولة الإسلامية كضمان لفتح أبواب بلادها بعد ذلك ليمارس بها الدعوى في أي وقت
- المجتمع الإسلامي يبدا ولو بثلاث افراد في المجتمع الجاهلي ثم يزدادون باضطراد وهكذا أي يرغب في أعادة انتاج فترة بدء انتشار الإسلام على عهد الرسول صلي الله عليه وسلم . حتى فتح مكة ثم التقدم لغزو العالم الخارجي .
- يرفض كل محاولات تقريب الإسلام من الديمقراطية أو الاشتراكية أو غيرها من الأفكار والفلسفات
- اخيراً يرفض مفهوم الدولة الوطنية أو القومية فالرابط الوحيد هو الإسلام في ظل الدولة الإسلامية .

الخميس، 2 يونيو 2011

العلمانية

العلمانية فلسفة أخلاقية لا تعتمد على الدين، وتؤمن بأن التطورات والاختراعات والإبداعات الفنية والأدبية والعلمية لا تعتمد على الدين أيضا. ابو الفلسفة العلمانية هو جورج هوليووك، فيلسوف بريطاني قال سنة 1846: "نريد فكرة تختبر في هذه الدنيا، ونريد التأكد مما نقول قبل أن نموت، لأننا لسنا متأكدين مما سيحدث بعد الموت". وأضاف، في وقت لاحق، في كتاب "مبادئ العلمانية" :"يقدر الإنسان أن يتطور جسمانيا وأخلاقيا وفكريا، ,
وقد أسس نظريته عن العلمانية علي جوانب هي “العلم كدليل حقيقي للإنسان، والبرهان المنطقي كسلطة وحيدة، وحرية الفكر والرأي كأساس للعيش، توجه وتصوب جهودنا للحياة التي نعيشها فقط”.
وللعلمانية كفكرة تأثرت بالمجتمعات التي نمت فيها الفكرة فالغرب الكاثوليكي كان الأكثر تشددا مثل فرنسا حيث تصبح العلمانية ليست سياسية فقط ولكن أسلوب حياة أيضا ونمط تفكير أما الغرب البروتستانتي فقد كان اقل تشددا في الالتزام بالفكر العلماني كانجلترا و هولندا وألمانيا وكذلك كانت لمفكرينا في العالم العربي ومصر بخاصة صيغة للعلمانية أخرى منها مثلا .
وتصب العلمانية مبادئها الثلاث [العلم كدليل و البرهان العقلي المنطقي وحرية الراي ] على جوانب اربعة هي السياسة والاقتصاد والاخلاق والتعليم .
وقد اهتم معظم مثقفينا بالعلمانية في جانبها السياسي والاقتصادي وقدموا اسهامات وتعريفات للعمانية هي باختصار
يقرر الفيلسوف الفرنسي من اصل جزائري محمد اركون واقع لحياته حينما يقول (العلمانية طريقتى لمعرفة الحقيقة)
فهو يقيم مواقفة من خلال ثلاث ادوات العلم المنطق التعايش السلمي .
فما يتفق معهم يراه موقف صحيح وما يختلف معهم يراه موقف خاطئ وهى أ÷م مقولة في نظر كاتب السطور تيسر فهم العلمانية على حقيقتها
وقد انتجت الفلسفة العالمانية ثقافة علمانية خاصه بها تشمل مجموعة من القيم والسلوكيات الخاصة
الدكتور محمد خلف الذي يعرف العلمانية بأنها حركة فصل السلطة السياسية والتنفيذية عن السلطة الدينية وليست فصل الدين عن الدولة حتى ، وبالتالى فهو يرى قدرة عمل المؤسسات السياسية والدينية معا جنبا الي جنب
أما حسين أمين فيرى العلمانية بأنها محاولة في سبيل استقلال ببعض مجالات المعرفة عن عالم ما وراء الطبيعة وعن الغيبيات والمسلمات وهو ما يعني القبول بالغيبيات والمسلمات في المجالات الأخرى من مجالات المعرفة
بينما يرى الدكتور وحيد عبد المجيد أن العلمانية في الغرب ليست أيدلوجية أو نظاما فكريا أنما موقف جزئي يتعلق بمجالات غير مرتبطة بالشئون الدينية (السياسية) ويميز بين اللادينية وبين العلمانية وهو يرى ان المؤسسات الدينية تتمتع بحرية واستقلال كاملين مكنت تلك المؤسسات من ممارسة دورها
-

الاثنين، 16 مايو 2011

الليبرالية ببساطة واختصار

كان جون لوك داعية للثورة الدستورية، وفى زمنه قامت الثورة المجيدة (1688) فى إنجلترا والتى أسست للملكية الدستورية। وبذلك ظهر مفهوم «الديمقراطية الليبرالية»। فالديمقراطية وفقا لذلك المفهوم ليست مجرد حكم الأغلبية، وإنما هى أساسا احترام حقوق الأفراد الأساسية وحرياتهم، ولا تعدو الانتخابات والأحزاب والمجالس النيابية سوى إجراءات وتنظيمات من أجل احترام وحماية هذه الحقوق والحريات الأساسية। فليست «ديمقراطية ليبرالية» تلك النظم التى تنتهك بعض الحقوق والحريات ولو باسم الأغلبية। فالحقوق الأساسية للأفراد حقوق سابقة على وجود المجتمعات نفسها، ووجود هذه المجتمعات يجد تبريره فى أنها توفر الحماية والضمان لهذه الحقوق والحريات। وبطبيعة الأحوال، فإن حقوق كل فرد وحرياته مقيدة بضرورة احترام حريات الآخرين. وهكذا نجد أن مفهوم الديمقراطية الليبرالية يمثل تقدما على المفهوم التقليدى للديمقراطية عند الإغريق والذى يعتمد على حكم الأغلبية فقط. فالأغلبية دائما على صواب ــ فى هذا المفهوم القديم ــ حتى وإن تعرضت للحقوق والحريات لبعض الأفراد أو الأقليات. ولذلك لم يكن غريبا أن كبار الفلاسفة الإغريق كانوا أقل ثقة فى الديمقراطية الإغريقية، حيث إنها كثيرا ما كانت حكما للغوغاء بأكثر مما هى احترام لحرية الفرد باعتباره إنسانا. وكثيرا ما شاهدنا فى العصر الحديث جرائم ارتكبت باسم الأغلبية أو نوعا من الأغلبية. فإذا كان النظام النازى فى ألمانيا لم يحصل على أغلبية البرلمان، فقد كان أكبر الأحزاب وأكبرها تمثيلا فى المجلس النيابى، وعندما وصل هتلر إلى الحكم وبدأ فى اضطهاد الأقليات، فقد تم ذلك بتأييد من الأغلبية الشعبية. كذلك فإن مجازر يوغوسلافيا بعد تفككها لم تكن بدون مساندة من أبناء الصرب أو الكروات. الأغلبية هى أساس الحكم فى النظام الليبرالى، بشرط أن تحترم الحقوق والحريات للجميع. [مقال لدكتور حازم الببلاوى ]

الجمعة، 29 أبريل 2011

جلال امين يلخص المشكلة المصرية ويضع الحل


عن ضرورة الدولة العصرية كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن المفاضلة بين الدولة المدنية والدولة الدينية، وكانت الأغلبية تفضل الدولة المدنية، وإن كان البعض قد فضل أن يؤكد أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، ولا يدعو إليها، وأن المطلوب هو دولة مدنية ولكن بمرجعية إسلامية.

قلت لنفسى: هل نحن فى حاجة حقا إلى الانشغال بجدل من هذا النوع، خاصة ونحن لم نكد نخرج من ثورة عظيمة، ولم نكد نتخلص من عهد طويل سيئ مشرق، ونفتح صفحة جديدة تماما عسى أن نبدأ فيها بناء نهضة نعوض بها ما فاتنا، وما أضعناه من وقت ثمين؟

هذه أمة عظيمة مُنيت بحظ سيئ للغاية طوال الثلاثين أو الأربعين عاما الماضية (وقد يفضل البعض أن يقول «بل الخمسين أو الستين عاما الماضية»)، انقطعت خلالها عن مسايرة العالم، حتى كاد يصح عليها ما وصفه بها البعض بأنها «خرجت من التاريخ».

فتفوقت علينا أمم كانت أقل منا شأنا، وليس لها مثل تاريخنا وحضارتنا وتراثنا. تفوقت علينا فى الاقتصاد والقوة العسكرية والتعليم والإنتاج الثقافى، بينما خبنا نحن اقتصاديا وعسكريا وعلميا وثقافيا.

فنجحت تلك الدول فى أن تحقق لشعوبها مستوى معيشيا أفضل، وحظيت باحترام العالم من حولها، وتصدت بنجاح لمن أراد النيل من كرامتها وحقوقها، وساهمت فى تقدم العلم والتكنولوجيا.

بينما جلسنا نحن قانعين بما يلقيه إلينا العالم من فتات موائده، نستجدى الصدقات من هذا الجزء من العالم أو ذاك، ونستعطف دولا صغيرة، راجين ألا تحرمنا من مياه الشرب والرى، ولم يعد لنا حولا ولا قوة نقدم بها النجدة لأصدقائنا وأشقائنا، وننفق ما بقى لنا من مال أو ما نحصل عليه من صدقة على استيراد سلع الاستهلاك الترفى لكى تنعم قلة صغيرة جدا بالرفاهية التى هى أقرب إلى الانحلال الخلقى منها إلى الاستمتاع بالحياة.

يحدث لنا كل هذا ومازلنا نفاضل بين الدولة المدنية والدولة الدينية، دون أن يتطرق الحوار إلى قضية واقعية مهمة، بل يتطرق إلى قضايا من نوع ما إذا كان الاحتفال بشم النسيم حلالا أم حراما.

●●●

إننى أكتب هذا الكلام الآن لأننى ألاحظ تطورا فى حياتنا السياسية والاجتماعية ينحو هذا المنحى الخطير والضار جدا فى رأيى، وهو رفض التعامل مع العالم الحديث، بحجة أفضليتنا الثقافية والأخلاقية.

إننى لا أريد ولا أدعو للتنكر لثقافتنا أو خيانة هويتنا، وقد كتبت كثيرا من قبل فى الدفاع عن هذه الثقافة وهذه الهوية، وفى رفض ترتيب الثقافات بعضها فوق بعضها، ورفض اعتبار الثقافة الغربية أفضل من ثقافتنا العربية والإسلامية أو أى ثقافة أخرى لمجرد تفوقها التكنولوجى.

فالتكنولوجيا الحديثة هى جانب واحد من جوانب الحياة، مهمة حقا ولكنها لا تلغى أهمية نوع العلاقات الاجتماعية والقيم الإنسانية.

ومع ذلك فإننى أعترض بشدة على أن تقتصر مهمتنا على الصراخ بأن ثقافتنا أفضل، دون أن نحاول أن ننتج شيئا يستوحى هذه الثقافة، وأن نكتفى بإعلان أن قيمنا أفضل من قيمهم ثم نستمر فى استيراد واستهلاك السلع والخدمات التى ينتجونها هم، والمشحونة بهذه القيم التى نعلن رفضنا لها.

كذلك علينا أن نكف عن التصرف والكلام وكأن من الممكن أن نعيش بمعزل عنهم.

إن علاج مشاكلنا لا يكون بإغلاق الأبواب والانعزال عن العالم، وإنما بالأخذ بكل أساليب القوة والتكنولوجيا الحديثة، رغم كل عيوبها، هى من أهم أساليب اكتساب القوة. وتعلم العلم الحديث هو أيضا من الشروط الأساسية لاكتساب هذه القوة.

والتظاهر بأننا نستطيع أن نفرض إرادتنا عليهم ونحن بهذه الدرجة من الضعف اقتصاديا وسياسيا، هذا التظاهر ليس إلا نوعا من الانتحار.

وأنا لا أجد موجبا بعد للاقدام على الانتحار،
بل مازال لدينا أمل رغم كل ما أصابنا من تدهور.

نحن لا نريد أن نكون مقلدين أغبياء «للحداثة»، ولكننا نريد أن نشب عن الطوق، ولا نعيد ونزيد فى الجدل عما يصح وما لا يصح فى أمور عفى عليها الزمن. نحن لا نريد أن نكون مثل الشاب الأهوج الذى ينفق أمواله فى تقليد أقرانه فى كل ما يبددون أموالهم فيه مهما كان غبيا وسخيفا، ولكننا لا يمكن أيضا أن نظل خائفين من مخاطر التقدم فى العمر فنظل متشبثين بما تعودنا عليه فى الطفولة والصبا.

لا مفر لنا من ولوج العصر الذى نعيش فيه بكل مخاطره، لأنه أيضا حافل بكل ما تعد به الحياة من طيبات ومسرات. ولا أمل فى الحصول على طيبات الحياة إلا ببعض المخاطر. بل إن الظن بأن التشبث بالماضى هو أفضل طريق للحفاظ على الهوية وتميز الشخصية، هو ظن خاطئ فى رأيى، لأن الإثبات الحقيقى للهوية وتميز الشخصية ليس باجترار الماضى وإعادة تكراره بلا نهاية، بل بالقدرة على مواجهة الجديد وعلى الإبداع فى مواجهة التحديات.

نعم، فى العالم الحديث أشياء كثيرة كريهة: النهم الاستهلاكى، المادية المفرطة، الإباحية الجنسية، استغلال الجنس فى الدعاية التجارية، تفكك العائلة والافراط فى الفردية، الخداع المستمر فى الدعاية التجارية السياسية.. إلخ. كل هذا سيئ، ولكن لا مفر لنا مع ذلك من التعامل مع هذا العالم الحديث. وإذا لم يكن لنا مفر من التعامل مع هذا العالم فلا جدوى من التظاهر بعكس ذلك.

لا يمكن لأحد أن ينكر أن فى ثقافتنا أشياء كثيرة أفضل من ثقافتهم، ولدينا من القيم الكثير مما هو أفضل أخلاقيا من قيمهم، ولكن يجب أن نعترف أيضا أن العكس كذلك صحيح، أى أن فى ثقافتهم أشياء أفضل مما يقابلها عندنا، وبعض قيمهم أفضل مما يقابلها فى قيمنا، وعلى أى حال فالمجال ليس مجال التفاخر والتباهى، بل الموضوع هو كيف تستطيع المحافظة على ما هو أفضل لديك، واقتباس ما هو أفضل عندهم، مع استمرار تعاملك معهم، إذ ليس أمامك فى الحقيقة أى اختيار آخر.

لابد أن ينصرف جهدنا إذن إلى كيفية بناء «المجتمع العصرى» أى مجتمع يعرف كيف يتعامل مع العالم الحديث، ويبنى خلال ذلك قوته حتى يصبح ندا للمجتمعات الأخرى التى سبقتنا، وتصبح له القدرة على أن يفعل ما يتفق مع قيمه وتقاليده، وليس فقط القدرة على التغنى بهذه القيم والتقاليد.

●●●

عندما وقعت الهزيمة العسكرية المشئومة فى 1967، تعددت ردود الفعل من المفكرين العرب فى محاولة تفسير ما حدث، والنصح بما يجب عمله للخروج من المأزق الذى وضعتنا فيه الهزيمة.

وكان من أفضل ما كتب فى هذا الصدد، سلسلة مقالات كتبها الأستاذ أحمد بهاء الدين، لخص فيها الأمر كله بفشلنا فى إقامة «الدولة العصرية». وكان يقصد بذلك بناء دولة تستطيع التعامل ندا بند مع العالم الحديث، بدلا من أن تظل فى موقف التابع الذليل، وما يتطلبه ذلك من بناء المؤسسات الديمقراطية الحديثة، والاعتراف بحرية التعبير وسائر حقوق الإنسان، وإرساء الأسس فى مؤسساتنا التعليمية والثقافية اللازمة لتقدم العلم وممارسة التفكير العلمى، وتحقيق التقدم الاقتصادى اللازم لكل ذلك، ولبناء قوة عسكرية قادرة على التصدى لمخططات المعادين لنا.

ولكن ها قد مر أكثر من أربعين عاما على هذه الهزيمة وهذا التنبيه، فإذا بحالنا الآن، فى كل هذه الأمور، أسوأ مما كان، واسوأ مما كنا عليه منذ مائة عام، عندما كتب الشيخ محمد عبده كلاما له نفس المعنى، ومنبها إلى أن العقيدة الإسلامية الصحيحة لا تتعارض مع كل هذا بل تتطلبه وتدعو إليه.

أخذت بعض الدول الإسلامية بعد طول تردد، مثل ماليزيا وتركيا، بنصيحة محمد عبده وأحمد بهاء الدين، ولم نأخذ بها نحن، بل فضلنا أن نصرف جهدنا إلى فرض النقاب على النساء، ظنا منا أن مراعاة الفضيلة تتطلب الاختفاء من الوجود، وإلى تركيب ميكروفونات على المساجد، ظنا منا أن الإسلام يزداد رفعة كلما زاد ارتفاع صوت المؤذن، وإلى الترويج لتفسيرات تنسب نفسها إلى الدين، وتزعم أن نظريات نيوتن وأينشتاين مذكورة فى الكتب المقدسة، واعتدينا على الأقباط وهم خارجون من كنائسهم فى أيام عيدهم، وكأن السماح لهم بالاحتفال بأعيادهم ينطوى على اعتداء على حقوقنا كمسلمين، ثم هتف البعض ضد محافظ جديد ملخصا اعتراضه عليه بأنه غير مسلم، وتفتقت أذهان آخرين عن القول بأن من بين أسباب ضعفنا الاحتفال بشم النسيم..إلخ

إننى أظن أننى أعرف السبب فى هذا التقهقر وهذا الفشل، فقد سلمنا مقاليدنا لرؤساء فعلوا كل شىء ومن شأنه إحداث هذا التقهقر، بعضهم عن وعى تام بما يفعلونه، وبعضهم عن غباء تام، وكلهم مدفوعون بقوى خارجية من ناحية وبنهم لا يمكن إشباعه لتكديس الأموال.

الآن تخلصنا من هؤلاء الرؤساء، فماذا نحن فاعلون؟ هل نعود إلى ما كنا عليه، فنسلم أمورنا إلى نفس النوع من الرؤساء الذين يعملون، بوعى أو بغير وعى، لتكريس نفس الفشل والتقهقر؟

الاثنين، 25 أبريل 2011

مقال هام للدكور عمار علي حسن

د. عمار علي حسن

هناك أمور رئيسة لابد من توافرها قبل السعي في بناء شروط للتعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر، ووأد الاحتقان الطائفي المثار حاليّاً، وتطبيق ما تعارف عليه الناس من شروط، إما بحكم التجربة، أو بفعل إعمال العقل. ومن هذه الأمور:

أ - الفصل بين "الجماعة السياسية" و"الجماعة الدينية": وهذا شرط أساسي لتحقق "المواطنة" في مجتمع ما، ومن ثم ترسيخ جذر أساسي للتعايش. فالمصريون يجب أن يكونوا "جماعة سياسية" واحدة و"جماعتين دينيتين"، مسلمة ومسيحية. وهذا معناه أن تكون الحقوق والواجبات متساوية في كل ما ترتبه السياسة، بمختلف درجاتها، والشراكة متساوية في "الغنم" و"الغرم". أما بالنسبة للدين، فيتم التعامل معه على أساس القاعدة الذهبية التي تقول "الدين للديان". وتنشأ العلاقة بين طرفي هذا المعادل على أساس المبدأ الذي استلهمته ثورة 1919 حين رفعت شعار "الدين لله والوطن للجميع".

ب - الخروج من سجن التاريخ: فالسجال الدائر بين المسلمين والمسيحيين في مصر يجب ألا يحيل كثيراً إلى التاريخ، ويركز، بدلًا من ذلك، على الحاضر المعيش. وهذا المنحى يرفع المسؤولية عمن يعيشون الآن وهنا، عما جرى في القرون الغابرة، فلا يطيل المسيحيون في الحديث عن اضطهاد لحق بهم بعد دخول الإسلام مصر، ولا يفتش المسلمون عما ارتكبته الكنيسة في حق "الوثنية" المصرية بعد دخول المسيحية مصر، ويحملون المسيحيين الجميل بإنقاذهم من ظلم الرومان واضطهادهم الشديد. وعلى رغم أن التاريخ مليء بالمواقف المشرقة والمشرفة للطرفين، فإن الاكتفاء بها لا يفيد في الوقت الحاضر. وعلى النقيض يؤدي استدعاء المواقف المشينة من ذمة التاريخ إلى تأجيج الوضع الراهن.

ج - الاعتراف المتبادل بالتجاوزات: أي أن يعترف المسلمون بأن بينهم متطرفين في تصوراتهم، ينظرون إلى المسيحيين على أنهم "كفار"، ويسعوا إلى معالجة هذه المغالاة، وهذا القصور في الفهم. وعلى الجانب الآخر، يعترف المسيحيون بأن بينهم متطرفين ينظرون إلى المسلمين على أنهم "هراطقة".

وهذا الاعتراف لا ينتظم أبداً في محاولة من كل طرف لإثناء الآخر عن معتقده، بل يجب أن يكون بداية للبحث عن "التعايش الإيماني"، وتعزيز المشترك الأخلاقي الذي يزخر به الإسلام والمسيحية، وتصحيح التصورات الخاطئة والمغلوطة عند فصيل من الحركة الإسلامية المسيسة التي لا تزال تتعامل مع المسيحيين على أنهم "ذميون"، وعند قطاع من المسيحيين ينظر إلى المسلمين على أنهم "غزاة". فلا معاملة أهل الذمة تصلح لنظام اليوم ولا المسلمون المتواجدون في مصر حاليّاً قدموا جميعاً من جزيرة العرب، بل أغلبهم مصريون تحولوا من المسيحية إلى الإسلام، وبالتالي ففيهم من "القبطية" ما في إخوانهم من المسيحيين

د - الفصل بين النص والممارسة: فالنصان القرآني والإنجيلي يحملان من القيم ما يكفي حال التمسك بها لبناء تعايش مشترك واحترام متبادل بين المسلمين والمسيحيين، ولا ينبغي أن يتحملا ما يفعله الطرفان ببعضهما بعضاً، فهذا من قبيل السلوك البشري الذي يعد انحرافاً عن مقاصد الأديان وغاياتها. وبالتالي فإن الحاجة تصبح ماسة وملحة للرد على التأويلات الخاطئة للنصوص.

هـ - العلمانية الجزئية: وهي التصور الذي يقوم على أساس قاعدة أن "فصل الدين عن السلطة ضرورة، وفصله عن الحياة جريمة". وذلك معناه ألا تتمادى الكنيسة في لعب دور سياسي، فهذا خارج اختصاصها وفوق طاقتها، ولا تستمر "الجماعات والتنظيمات الإسلامية" في "تسييس الدين".

و - تغيير السياق العام: فكثير من المثقفين وأعضاء النخبة السياسية والاجتماعية من المسلمين والمسيحيين يرون أن حل مشاكل مسيحيي مصر، لن يتم، على الوجه الأكمل، إلا في إطار إصلاح سياسي شامل، تستقر فيه قواعد دولة مدنية ديمقراطية، تقوم على مبدأ "المواطنة" وتداول السلطة

ز - الأرضية الوطنية: فأي مشكلة للتعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر ينبغي أن تحل على أرضية وطنية، وبأجندة مصرية، ويشارك فيها مصريون. فالاستقواء بالخارج، أو حرث الأرض أمام تدخل أجنبي، سيقود إلى نتائج غاية في الخطورة، سيتأثر بها المسيحيون المصريون قبل المسلمين. فلا الأجنبي بوسعه أن يحمي أحداً، ولنا في تجربة مسيحيي العراق بعد احتلاله عبرة وعظة، ولا الخارج من الممكن أن يضحي بمصالحه من أجل أحد، ومن يعتقد غير ذلك واهم

وهناك أكثر من وسيلة يمكن استخدامها في تعزيز التعايش بين المصريين جميعاً، يمكن ذكرها على النحو التالي:

التعليم: وذلك بتضمين المناهج التعليمية ما يحض على التعايش، ويحرص عليه، وتنقيتها مما قد يقود إلى كراهية طرف لآخر

الإعلام: وهو وسيلة مهمة، لو استخدمت على الوجه الأكمل، ومن دون انفعال ولا افتعال، فإن بوسعها أن تقلل من أي احتقانات، وترسخ في عقول الناس ونفوسهم قيم التسامح والاعتراف بالآخر واحترامه

المنتج الثقافي، الذي يجب أن يحوي كل ثقافة الأمة المصرية، عبر التاريخ، في جميع الأنواع الأدبية والفنون بمختلف ألوانها

منظومة القوانين: أي وجود حزمة من التشريعات التي تقنن التعايش، وتحدد مرجعية عامة له، يلتزم بها الجميع

المشروعات القومية، التي يجب أن تستوعب جميع المصريين، من دون تفرقة، وتوجه طاقاتهم إلى عمل وطني مفيد، بدلًا من الفراغ الذي يزيد الشقة بين الناس، ويرفع درجة الطاقة الغضبية لديهم

الجهاز البيروقراطي، الذي يجب أن يجد معايير سليمة للتعيين والترقي ترفع الظلم عن كثيرين سواء من المسيحيين أو من المسلمين

المجتمع الأهلي، الذي يمكنه حال وجود جمعيات خيرية دينية مشتركة بين المسلمين والمسيحيين أن يزيد من أواصر التعايش

بوسع علماء الدين من الجانبين أن يؤصلوا لفكرة التعايش من الشرائع السماوية

صحيفة "الاتحاد" الاماراتية

8 تشرين الاول – اكتوبر 2010